(موجز عن الصحابي الجليل عثمــــــان بن مظعــــــــون ( رضوان الله عليه
**اسمه وكنيته ونسبه :
أبو السائب عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب الجُمحي القرشي .
وقيل : كان عثمان بن مظعون أخا النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرضاعة
.
**ولادته :
ولد
في عصر ملؤه الجهل وانحطاط القيم الإنسانية ، في عصرٍ كان يسوده الظلم
والجور ، وعدم مراعاة حقوق الإنسان ، لكنّه ( رضوان الله عليه ) لم ينخرط
في سلك أهل عصره ، بل جعل عقله قائده وراشده ، وسلك في حياته مسلك العقلاء
والحكماء ، حتّى قيل : إنّه كان من حكماء العرب في الجاهلية .
تحريمه الخمر في الجاهلية :
وممّا
يدل على حكمته قبل الإسلام ، وسموّ عقله ، ما اتفق عليه أصحاب السير
والتاريخ من أنّه حرّم الخمر على نفسه في الجاهلية ، وقال : لا أشرب شراباً
يذهب عقلي ، ويضحك بي مَن هو أدنى منّي ، ويحملني على أن أنكح كريمتي ، أو
: ويحملني على أن أُنكح كريمتي مَن لا أريد .
وقيل
: إنّه لمّا حرّمت الخمر ، أتي وهو بالعوالي ، فقيل له : يا عثمان قد
حرّمت الخمر ، فقال : تبّاً لها ، قد كان بصري فيها ثاقباً
.
***إسلامه :
أسلم
عثمان بن مظعون بعد ثلاثة عشر رجلاً ، انطلق هو وجماعة حتّى أتوا رسول
الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فعرض عليهم الإسلام وأنبأهم بشرائعه ،
فأسلموا جميعاً ، وذلك قبل دخول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دار
الأرقم ، وقبل أن يدعو فيها .
وروي عن عثمان أنّه
قال : كان أوّل إسلامي حبّاً من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمّ
تحقق ذلك اليوم لمّا شاهدت الوحي إليه ، واستقرّ الإيمان في قلبي .
تعذيب قريش له وهجرته :
بعد
أن أسلم عثمان بن مظعون ( رضوان الله عليه ) وأعلن إسلامه ، واجهته قريش بالأذى
والسطوة ، كما هو ديدنها مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه ،
فكانت بنو جُمح تؤذي عثمان وتضربه وهو فيهم ذو سطوة وقَدْر .
ولمّا
اشتدّ أذى المشركين على الذين أسلموا ، وفتن منهم من فتن ، أذن الله
سبحانه لهم بالهجرة الأولى إلى أرض الحبشة ، فخرجوا متسلّلين سرّاً ،
وأميرهم عثمان بن مظعون .
ومكث عثمان وأصحابه في
الحبشة ، حتّى بلغهم أنّ قريشاً قد أسلمت ، فأقبلوا نحو مكة ، وما إن
اقتربوا منها حتّى عرفوا أنّ قريشاً لم تسلم ، وأنها ما زالت على عدائها
لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فثقل عليهم أن يرجعوا ، وتخوّفوا أن
يدخلوا مكة بغير جوار من بعض أهل مكة ، فمثكوا مكانهم حتّى دخل كلّ رجل
منهم بجوارٍ من بعض أهل مكة ، ودخل عثمان بن مظعون مكة بجوار الوليد بن
المغيرة .
وصرّح ابن الأثير : أنّ عثمان بن مظعون
هاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى مع جماعة من المسلمين ،
وذكر كيفية رجوعه وما جرى له مع لبيد وقال : ثمّ هاجر عثمان إلى المدينة
وشهد بدراً .
***مؤاخاته واشتراكه في بدر :
آخى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله ) بين عثمان بن مظعون وبين أبي الهيثم بن التيّهان الأنصاري .
وشهد عثمان بن مظعون بدراً باتفاق المؤرخين ، وقد أسّر حنظلة بن قبيصة بن حذافة ، وقتل أوس بن المغيرة بن لوذان .
الآيات النازلة فيه :
هناك مجموعة من الآيات الكريمة نزلت في عدّة من الصحابة ، كان منهم عثمان بن مظعون ، نذكر منها ما يلي :
1ـ
قوله تعالى : ( وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا
لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم
مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) البقرة : 45 ـ 46 .
2ـ
قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ
طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) المائدة : 87 .
3ـ قوله
تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) المائدة : 93 .
4ـ
قوله تعالى : ( وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ
لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا
يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ
بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) النحل : 76 .
**وصف الإمام علي ( عليه السلام ) له :
قال
أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( كان لي فيما مضى أخ في الله ، وكان
يُعظمه في عيني صِغرُ الدنيا في عينه ، وكان خارجاً من سلطان بطنه ، فلا
يشتهي ما لا يجد ، ولا يكثر إذا وجد ، وكان أكثر دهره صامتاً ، فإنّ قال
بدّ القائلين ونقع غليل السائلين ، وكان ضعيفاً مستضعفاً ، فإن جاءَ الجِدّ
فهو ليثُ غابٍ وصِلُّ وادٍ ، لا يدلي بحجّة حتّى يأتي قاضياً ، وكان لا
يلومُ أحداً على ما يجد العذر في مثله حتّى يسمع اعتذارَه ، وكان لا يشكو
وجعاً إلاّ عند برئه ، وكان يفعل ما يقول ولا يقول ما لا يفعل ، وكان إذا
غلب على الكلام لم يغلب على السكوت ، وكان على ما يسمع أحرص منه على أن
يتكلّم ، وكان إذا بدهه أمران نظر أيّهما أقرب إلى الهوى فخالفه ، فعليكم
بهذه الأخلاق فالزموها وتنافسُوا فيها ، فإن لم تستطيعوها فاعلموا أنّ أخذ
القليل خيرٌ من ترك الكثير ) .
والمشار إليه بـ( كان لي فيما مضى أخ في الله ) عثمان بن مظعون على أحد الأقوال .
ويدلّ على أن المراد بالأخ هنا عثمان بن مظعون
ما ورد من وصف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لعثمان بالأخ ،
كقوله ( عليه السلام )
في وجه تسمية ولده بعثمان : ( إنّما سمّيته باسم أخي عثمان بن مظعون
) .
**عبادته وزهده :
كان
عثمان ( رضوان الله عليه ) من أشدّ الناس اجتهاداً في العبادة ، يصوم
النهار ويقوم الليل ، ووصل به الحدّ في العبادة أنّه ترك وتجنّب الشهوات
بالمرة ، واعتزل النساء ، حتّى روي : أنّ زوجته دخلت على نساء النبي ( صلى
الله عليه وآله ) فرأينها سيئة الهيئة ، فقلن لها : ما لكِ ؟ فما في قريش
أغنى من بعلك ! قالت : ما لنا منه شيء ، أمّا ليله فقائم ، وأمّا نهاره
فصائم ،
فدخل النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) ،
فذكرن ذلك له ، فلقيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : ( أما لك بي
أسوة ؟ ) قال : بأبي وأمّي وما ذاك ؟ قال : ( تصوم النهار وتقوم الليل ؟ )
قال : إنّي لأفعل ،
قال : ( لا تفعل ، إنّ لعينيك عليك حقّاً ، وإنّ لجسدك حقّاً ، وإنّ لأهلك حقّاً ، فصلِّ ونمْ وصم وافطر ) .
وفي
رواية : ( يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية ، ولكن بعثني بالحنيفية
السهلة السمحة ، أصوم وأصلي ، وألمس أهلي ، فمن أحبّ فطرتي فليستن بسنّتي ،
فمن رغب عن سنّتي فليس منّي ، وأنزل الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ
وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُواْ
مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ
أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) المائدة : 87 ـ
88 .
**وفاته :
نصّ
كثير من المؤرّخين : على أنّ عثمان بن مظعون أول من مات بالمدينة من
المهاجرين ، وذلك بعد أن شهد بدراً ، أي في السنة الثانية من الهجرة .
ولمّا
توفّي دخل عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فأكب عليه يقبّله
ويقول : ( رحمك الله يا عثمان ، ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك شيئاً ) .
وحظي
عثمان بصلاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليه ، وبمشاركته في تشييعه
ودفنه ، فقد كان ( صلى الله عليه وآله ) قائماً على شفير القبر .
واتفق
أصحاب السير والتاريخ : أنّ أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون ، ولم يكن
البقيع قبل دفن عثمان مقبرة ، وروي أنه ( صلى الله عليه وآله ) أمر أن يبسط
على قبر عثمان ثوب ،
وهو أول قبر بسط عليه ثوب ،
وروي
أيضاً أنه ( صلى الله عليه وآله ) رشّ قبر عثمان بالماء بعد أن سوّى عليه
التراب ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يزور قبره بين الحين والآخر .
وقيل : أنّ إبراهيم ابن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دفن إلى جنبه .