بسم الله الرحمن الرحيم
هذه أحبتي في الله نبذة مختصرة من سيرة الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه .
هوالسيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري . شهد العقبة شابا أمرد , وله عدة أحاديث .
روى عنه ابن عمر , وابن عباس , وجابر , وأنس , وأبو أمامة , وأبو ثعلبة الخشني , ومالك بن يخامر , وأبو مسلم الخولاني , وعبد الرحمن بن غنم , وجنادة بن أبي أمية , وأبو بحرية عبد الله بن قيس , ويزيد بن عميرة , وأبو الأسود الديلي , وكثير بن مرة , وأبو وائل , وابن أبي ليلى , وعمرو بن ميمون الأودي , والأسود بن هلال , ومسروق , وأبو ظبية الكلاعي , وآخرون .
روى أبو إسحاق السبيعي : عن عمرو بن ميمون , عن معاذ بن جبل قال : ( كنت رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حمار يقال له عفير ).
قال شباب : أمه هي هند بنت سهل من بني رفاعة , ثم من جهينة , ولأمه ولد من الجد بن قيس .
وروى الواقدي عن رجاله أن معاذا شهد بدرا وله عشرون سنة أو إحدى وعشرون . قال ابن سعد : شهد العقبة في روايتهم جميعا مع السبعين .
إسلامه : أسلم معاذ وله ثمان عشرة سنة، وهو من السبعين من بني جشم بن الخزرج ، وهو من أهل العقبة وممن شهد بدرا والحديبية ومن أهل بيعة الرضوان.
علمه وفضله:روى قتادة عن أنس ، قال : ( جمع القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة كلهم من الأنصار : أبي بن كعب , وزيد , ومعاذ بن جبل , وأبو زيد أحد عمومتي ) .
وعن عبد الله بن عمرو , قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : خذوا القرآن من أربعة : من ابن مسعود , وأبي , ومعاذ بن جبل , وسالم مولى أبي حذيفة تابعه إبراهيم النخعي عن مسروق .
وهو أعلم الناس بالحلال والحرام بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس مرفوعا : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر , وأشدها في دين الله عمر , وأصدقها حياء عثمان , وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ , وأفرضهم زيد , ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة) .
وعن أبي سعيد : قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( معاذ بن جبل أعلم الناس بحرام الله وحلاله) إسناده واه .
ولقد كان له منزلته عند كبار الصحابة رضي الله عنهم ( قال عمر : لو أدركت معاذا , ثم وليته , ثم لقيت ربي , فقال : من استخلفت على أمة محمد ؟ لقلت : سمعت نبيك وعبدك يقول : يأتي معاذ بن جبل بين يدي العلماء , برتوة ).
وإنما قال عمر ذلك لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( يجيء معاذ يوم القيامة أمام العلماء بين يدي العلماء) .
تعليمه للناس في مكة بعد الفتح
عن مجاهد قال : لما فتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة , استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بهم , وخلف معاذا يقرئهم , ويفقههم .
بعثه إلى اليمن:
وعن قيس بن أبي حازم , عن معاذ : ( بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن , فلما سرت أرسل في إثري فرددت , فقال : أتدري لم بعثت إليك ؟ لا تصيبن شيئا بغير علم ؛ فإنه غلول "وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " لقد أُذْعِرت , فامض لعملك ) رواه الروياني في "مسنده" .
وكان معاذ من أئمة الصحابة المجتهدين:
عن معاذ قال : ( لما بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن , قال لي : كيف تقضي إن عرض قضاء ؟ قال : قلت : أقضي بما في كتاب الله , فإن لم يكن , فبما قضى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قال : فإن لم يكن فيما قضى به الرسول ؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو , فضرب صدري , وقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما يرضي رسول الله) .
وكان لمعاذ منزلة رفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن عاصم بن حميد السكوني ( أن معاذ بن جبل لما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن خرج يوصيه , ومعاذ راكب , ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي تحت راحلته , فلما فرغ , قال : يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا , ولعلك أن تمر بمسجدي وقبري . فبكى معاذ جشعا لفراق رسول الله , قال : لا تبك يا معاذ , أو إن البكاء من الشيطان ) .
وعن عبيد بن صخر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين ودعه معاذ , قال:
( حفظك الله من بين يديك ومن خلفك , ودرأ عنك شر الإنس والجن . فسار فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : يبعث له رتوة فوق العلماء ).
من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه لليمن:
عن أبي موسى بعثني النبي -صلى الله عليه وسلم- خامس خمسة على أصناف اليمن : أنا , ومعاذ , وخالد بن سعيد , وطاهر بن أبي هالة , وعكاشة بن ثور , وأمرنا أن نيسر ولا نعسر.
وقد كان رضي الله عنه ذا أسلوب في الدعوة والبلاغ (من رهبان الله وقراء القرآن).
عن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما بعثه ومعاذا إلى اليمن قال لهما : ( يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا . فقال له أبو موسى : إن لنا بأرضنا شرابا , يصنع من العسل يقال له : البتع , ومن الشعير يقال له : المزر , قال : كل مسكر حرام . فقال لي معاذ : كيف تقرأ القرآن ؟ قلت : أقرأه في صلاتي , وعلى راحلتي , وقائما وقاعدا , أتفوقه تفوقا , يعني شيئا بعد شيء , قال : فقال معاذ : لكني أنام ثم أقوم , فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي , قال : وكأن معاذا فُضِّل عليه) .
هكذا كانوا إذا جلسوا يتناقشون في امور دينهم وعبادة ربهم تاركين الدنيا وراء ظهورهم:
عن جابر الجعفي , عن أم جهيش خالته قالت : بينا نحن بدثينة بين الجند وعدن , إذ قيل : هذا رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فوافينا القرية , فإذا رجل متوكئ على رمحه , متقلد السيف , متعلق حجفة , متنكب قوسا وجعبة , فتكلم , وقال : إني رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليكم : اتقوا الله واعملوا فإنما هي الجنة والنار , خلود فلا موت , وإقامة فلا ظعن , كل امرئ عمل به عامل فعليه ولا له , إلا ما ابتغي به وجه الله , وكل صاحب استصحبه أحد خاذله وخائنه إلا العمل الصالح , انظروا لأنفسكم واصبروا لها بكل شيء فإذا رجل موفر الرأس , أدعج , أبيض , براق , وضاح .
من فضائله وتعليم الرسول له:
عن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (نعم الرجل أبو بكر , نعم الرجل عمر , نعم الرجل معاذ بن جبل) وروى نحوه ابن عيينة عن ابن المنكدر مرسلا .
وعن الصنابحي , عن معاذ قال : (لقيني النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا معاذ ، إني لأحبك في الله. قلت : وأنا والله يا رسول الله أحبك في الله . قال : أفلا أعلمك كلمات تقولهن دبر كل صلاة : رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) .